عبد العزيز ابن عبد الجليل

رحلت إلى دار البقاء عازفة القانون الفنانة المغربية سعاد شوقي يوم الخميس 15 حزيران/يونيو 2023 بعد سنوات من المعاناة مع المرض. والسيدة سعاد من مواليد مدينة الدار البيضاء عام 1945، واسمها الحقيقي هو السعدية نصيح؛ وقد نشأت في كنف أسرة ولوعة بمحبة الموسيقى، فقد كان والدها يجلب إلى البيت الموسيقيين والمطربين، وكانت والدتها على حظ غير يسير من تذوق الموسيقى، وما كادت الطفلة تبين عن تفاعلها مع الألحان حتى بادر الأب إلى إلحاقها بالمعهد الموسيقي الواقع بشارع باريس بالدار البيضاء في ستينيات القرن السابق، وعلى مدى سنوات قاربت العشرة درست الصولفيجَ على أيدي أساتذة فرنسيين، والعزفَ على آلة القانون على يد المرحوم المكي فريفرة، والمقاماتِ العربيةَ على يد الأستاذ بوبكر الطالبي. وقد كللت جهودها بالحصول على الجائزة الأولى في العزف على آلة القانون، في وقتٍ كان ذلك حكْراً على الذكور بسبب تقاليد المجتمع المُحافِظ، وبذلك حققت السبق من بين طلاب المعاهد المغربية إلى هذا التخصص، فكانت بذلك أول امرأة عازفة على هذه الآلة، وبالتالي أول امرأة مغربية يوكل إليها تعليم هذه المادة لطلاب المعاهد الموسيقية بالدار البيضاء. ويرجع الفضل في اختيارها لآلة القانون إلى والدتها التي صرفتها عن آلة الكمان فور التحاقها بالمعهد، وهي منة ظلت طيلة حياتها تذكرها لوالدتها مرددة أنها "كانت مدرستها الأولى في الموسيقى".
وتشاء الظروف أن يتعرف أحمد سليمان شوقي أستاذ العود بذات المعهد على الطالبة السعدية نصيح وهي تكد بثبات في تحصيل المعرفة الموسيقية، وتطوي مراحل التعلم طيا، فيقبل عليها في البدء أستاذا ناصحا وموجها، وهو الخبير بفن الموسيقى، ثم تتوثق الصلة بينهما لتتحول إلى رغبة في الاقتران الأبدي بين الطرفين، تكللت بقبول الوالدين ورضاهما.
وتتحول حياة سعاد شوقي رأسا على عقب، لتشكل بمعيّة زوجها أحمد سليمان شوقي "ثنائياً" رائعاً لإحياء التراث الموسيقي العربي، بتقديمهما لأنماط موسيقية؛ من سماعيات ولونغات وبشارف وارتجالات، على شكْل تقاسيمَ على آلتيِ العود والقانون، وبعض المعزوفات من التخت العربي القديم، ومعزوفات لكبار الفنانين العرب؛ أمثال: محمد عبد الوهاب، ورياض السنباطي، وزكريا أحمد، ومحمد القصبجي".
وما فتئ أن اشتهر الثنائي لعقود في الأوساط الفنية، فانطلق يتنقل بين العواصم العربية والأوروبية والأمريكية، يقدم فيها عروضه الموسيقية، التي تمزج بين القانون والعود.
وبعد وفاة زوجها أحمد سليمان شوقي سنة 2013، جلسَ الابن "محمد شوقي" إلى جانب والدته في مكان الأب الراحل - وهو خريج المعهد الموسيقي بالدار البيضاء حيث حصل على الجائزة الأولى في العزف على العود – وإنْ كانَ يدرك إدراكا يقينيّا أنّه لن يُعوّض والده، فلقد كان هذا الوالد عازفا مرموقا على العود، وعلى يديْه تتلمّذ عدد من الفنانين المغاربة الكبار، أمثال المطربين الراحليْن إبراهيم العلمي، ومحمد فويتح وعازف العود المعروف الحاج يونس.
وهكذا تأبى سعاد شوقي إلا أن تواصل مسيرتها سواء في حلقات الدرس أستاذة لآلة القانون بالمعهد الموسيقي، أو في المحافل الموسيقية، وإلى جانبها ابنها محمد وارث سر أبيه في العزف على العود، وأستاذ هذه المادة بالمعهد الموسيقي، والحاصل على جائزة «العود الذهبي» بمدينة المحمدية عامَ 1993.
واعترافا بفضيلة سبقها إلى التخصص في العزف على آلة القانون، وبما كان لها إلى جانب زوجها أحمد سليمان شوقي، ونجله محمد من دور في التعريف بهذه الآلة واضطلاع بتعليمها لسنوات عدة، فقد جرى تكريمها في محافل متعددة، من بينها:

- تكريم من طرف "القناة الثانية" عام 2017، في برنامج "مسار" الذي سبق أن أداره الإعلامي عتيق بنشيكر، وذلك بحضور مجموعة من رجال الفن بالمغرب من ضمنهم عازف العود الحاج يونس وعميد المسرح المغربي الراحل عبد القادر البدوي، وبحضور الفنان فؤاد الزبادي ومراد البوريقي، وهو التكريم الذي كان له طعم ومكانة خاصة في قلب الفنانة الراحلة، حسب ما صرحت به سابقا، خلال استضافتها في أحد برامج قناة “سكاي نيوز عربية”.
- تكريم من طرف "عشاق الطرب الأصيل" يوم 12 نونبر 2018 تحت شعار"احتفاء برائدة العزف على آلة القانون".
- تكريمها كأول عازفة مغربية على القانون في المهرجان الدولي للعود بتطوان في شهر ماي 2023. وقد جاء في كلمة وزير الشباب والثقافة والإعلام في افتتاح المهرجان الدولي للعود أنه "على عادته دوما يضرب المهرجان موعدا مع لحظة وفاء وتكريم تخصص هذه السنة لعلمين بارزين كان أحدهما هي الفنانة سعاد شوقي... لما كان لها من أدوار طلائعية في حفظ التراث الموسيقي المغربي والارتقاء به إلى أعلى المراتب".

صورة الطالبة السعدية نصيح وهي تتسلم شهادة نجاحها في العزف على القانون أمام لجنة الامتحانات. ويظهر في الجانب الخلفي من الصورة زوجها المرحوم أحمد سليمان شوقي

صورة الفنانة سعاد شوقي إلى جانب المطرب السوري صباح فخري