أ.د. نبيل الدراس (الاردن)

لا يسعني في بداية هذا التصدير المتواضع لكتاب" معجم المصطلحات الموسيقية لطرب الملحون"، الصادر في مدينة الرباط بالمملكة المغربية، في طبعته الأولى، عن النادي الجراري عام 2020، إلا أن أدعو صاحب العلى في مقامه الأعلى بالتوفيق والسؤدد، لمؤلفه عبد العزيز ابن عبد الجليل، المولود بفاس- المملكة المغربية سنة 1931. وهو الباحث الموسيقي، والعضو في المجمع العربي للموسيقى واتحاد كتاب المغرب. وقد تولى عدة مهام تربوية وإدارية بوزارة التربية الوطنية ووزارة الثقافة، إضافة إلى تعريبه ونظمه وتلحينه عددا من الأناشيد المغربية.  له العديد من المؤلفات التي تعنى بالمجال الموسيقي، من بينها "التربية الموسيقية لمعلمي المدارس الابتدائية" (1966)، "مدخل إلى تاريخ الموسيقى المغربية" (سلسلة عالم المعرفة 1983)٬ "الموسيقى المغربية الأندلسية - فنون الأداء" (سلسلة عالم المعرفة 1988)٬ "معجم مصطلحات الموسيقى الأندلسية المغربية" (منشورات معهد التعريب بالرباط 1962)٬ "المشترك في مجال النغم والإيقاع بين المغرب والشعوب الإفريقية المجاورة" (منشورات معهد الدراسات الإفريقية 1995)، "مدخل إلى تاريخ الموسيقى المغربية" (2000)، بالإضافة إلى تحقيقه لكتابي "إيقاد الشموع للذة المسموع بنغمات الطبوع" لمحمد البوعصامي الصادر عن أكاديمية المملكة المغربية سنة 1995 و"أغاني السقا ومغاني الموسيقى أو الارتقاء إلى علوم الموسيقى" للشيخ إبراهيم التادلي الصادر عن أكاديمية المملكة سنة 2011. عبد العزيز ابن عبد الجليل معروف لدى كافة المؤسسات الموسيقية المحلية والعربية والعالمية بتفانيه ومثابرته في المشاركة في صناعة فكر بحثي موسيقي عربي معاصر، تزخر به مكتبتنا العربية وتنهل منه الأجيال.

صدر كتابه الجديد تحت عنوان" معجم المصطلحات الموسيقية لطرب الملحون"، في طبعته الأولى 1442هـ/2020م. وهو من منشورات النادي الجراري بالرباط، ليتابع القارئ والمهتم العربي تعرف واحد من نماذج التراث الموسيقي الغنائي المغربي. وانطلاقا من أهمية النظر في المصطلحات الفنية لطرب الملحون، ولا سيما منها المرتبطة بالموسيقى والغناء، عمل المؤلف على إخراج كتابه" لِلَمّ شتات المصطلحات، والإلمام بشرح مضامينها، وتقريب مفاهيمها حتى تصبح قيد التداول والاستعمال بين الطلبة الدارسين لفن الملحون، بالنظر إلى أن “مصطلحات أي فن من الفنون تشكل مدخلا للدراسة العلمية الخاصة بهذا الفن".

يحتوي الكتاب على 88 صفحة، اشتملت على تصدير، تقديم، جرد المصطلحات الموسيقية، ملحقين، مصادر ومراجع الكتاب والفهرس.

جاء التصدير (ص. 5) مبينا تلك الظروف والملابسات التي ورد فيها وضع الكتاب، ومركزا على ارتباط موضوعه بأدب الشعر الملحون، الذي قاد دراساته عميد الأدب المغربي عباس الجراري.

وفي التقديم (ص. 7 – 10)، يشير الباحث إلى التطور الذي حصل في القصيدة الزجلية على مستوى الشكل والمضمون مما أدى إلى جعلها إنجازا موسيقيا له مقوماته الفنية الخاصة على مستويات النغم والإيقاع والأداء. وفي هذا الإطار، يعرفنا على آراء الباحثين بأصل تسمية الملحون.  كما ويناقش ابن عبد الجليل مصطلحي "الكريحة" و"القياس" على اعتبار أنهما يدلان على ارتباط الملحون بالعزف الموسيقي والغناء.  ثم يستعرض الباحث القصائد الشعرية التي وردت فيها المصطلحات الموسيقية من آلات وطبوع وغيرها.  بعد ذلك ينتقل إلى التطرق للمرجعيات الثقافية لجمع مصطلحات طرب الملحون ثم ما له ارتباط بالموسيقى الشرقية. وقد ختم الباحث التقديم بسرده للمنهج المتبع في ترتيب المعجم وكتابة مداخله وشرحها.

أما معجم المصطلحات الموسيقية لطرب الملحون (ص. 23 – 68)، وهو الفكرة الرئيسة للكتاب، فقد تضمن طبقا للمؤلف 165 مصطلحا راعى في ترتيبها النظام الألفبائي. علما بأنه أورد المصطلح وشكله وفق ما ينطق به، وشرحه وفق مدلوله السائد بين أرباب الفن.

يذيل المؤلف كتابه بملحقين، هما: جدول بعض قياسات الملحون (ص. 69 – 72) والملحون والموسيقى الأندلسية (ص. 73 – 83)، حيث تناول في الجدول عروض القياس ومرمته، وعرج على الحديث عن أصل تسمية القصيدة وصاحبها وأسباب نزولها ونماذج أخرى من قياسها. أما في الملحق الثاني، فيعرفنا المؤلف بمرجعية الطبع إن كان أندلسيا أم شرقيا أم غير ذلك، وموقعه إن كان أساسيا أم ثانويا.

يلفت هذا الكتاب الانتباه لما فيه من بعد منهجي في دراسة موضوعه. وبالتالي، يعكس شخصية مؤلف متمتع بسمة الباحث والناقد ذي النظرة الثاقبة والذي يمتلك أدواته البحثية والمعرفية بكل حرص ومرونة، معتمدا القراءة الوصفية في تتبع المضامين التي يحويها هذا المعجم الذي يعتبر خطوة جادة على طريق التقعيد للنظرية الموسيقية لطرب الملحون.  فمن خلاله هذه المقاربة الموسيقولوجية، فإنه بلا شك ستكون طريقا معبدا للكثير من الدراسات اللاحقة. ولعل توزيعه للمصطلحات الواردة في المعجم، على سبيل المثال لا الحصر، ما بين ما يتصل منها بالشعر، وما يتصل بالغناء، وما يتصل بالطبوع، وما يتصل بالإيقاعات، وما يتصل بالآلات الموسيقية، ما يشير إلى ذلك الجهد وسعة المعرفة الكبيرين لدى المؤلف.

وفي الختام، فإن كتاب" المصطلحات الموسيقية لطرب الملحون" يشكل حلقة هامة في سلسلة المعرفة الموسيقية. فنحن أمام نموذج من أنماط التراث الموسيقي العربي المتنوع جغرافيا وقالبيا. وإن كان المؤلف قد أولى اهتمامه بالمصطلحات الموسيقية التي يزخر بها طرب الملحون، إلا أنه ترك للقارئ بعدا معرفيا كبيرا بهذا النمط الموسيقي السائد في المملكة المغربية، لاسيما وقد جاء الكتاب بلغة عربية ميسرة أثراها المؤلف باللهجة المغربية التي تحتاج عند الضرورة إلى التأني قليلا في إدراكها.