الموسيقار العراقي رعد خلف: الموسيقى التصويرية عنصر أساسي في الدراما

مصطفى الخليل

كما باقي الفنون الإبداعية، تتجلى البيئة في الموسيقى، معبر عنها بشكل رامز، فيأتي اللحن ليعكس تفاصيل الطبيعة والصور والهوية الثقافية بطريقة مؤثرة في النفس، تعلو في كثير من الأحيان فوق مسألة الفهم.

عن مكانة الموسيقى التصويرية والدور الذي لعبته مؤخراً في نجاح الأعمال الدرامية، وعن علاقة الأيديولوجيا بالموسيقى، جاء هذا الحوار مع الموسيقي العراقي رعد خلف، المقيم في دمشق منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي.

□ أنت من عائلة موسيقية معروفة في العالم العربي، ترى ما هو دور عائلتك في اكتشاف وتوجيه ميولك للموسيقى في فترة الطفولة؟

■ وجودي ضمن عائلة موسيقية جعلني حتماً أميل باتجاه الموسيقى، وهذا تأثير مباشر من الوالد والوالدة على حد سواء.  بالإضافة إلى الحالة الوراثية، وجدت منذ نعومة أظفاري العديد من الآلات الموسيقية في البيت كالبيانو الأفقي وغيره وكانت جميعها متوفرة لي.  بعدها، أدخلني والدي مدرسة الموسيقى والبالية في بغداد فبدأت الدراسة الاحترافية وكانت صارمة، وكان الوالد أيضاً صارماً في التعاطي مع تعلم الموسيقى، ولا يتهاون في ذلك أبداً.

□ نتأثر بالموسيقى ونتماهى معها وفي كثير من الأحيان لا نفهمها، أيهما أهم لدى المؤلف الموسيقي: فهم الناس لموسيقاه، أو التأثر بها؟  
 ■ بالطبع، عندما يقوم الموسيقي بتكوين موسيقاه، التي هي بمثابة مولود وابن جديد له، يهمه في الغالب مدى تأثيرها على الناس ومدى استساغتهم لها وتشبعهم بها، لكن ليس على مبدأ "الجمهور عايز كده"، بل مدى تأثيره في أنفسهم ومشاعرهم وحتى في سلوكياتهم.  أما عملية (فهم الموسيقى) فتندرج تحت عنوان المعرفة الأكاديمية.  إذن، كمؤلف موسيقي يهمني تأثيري المباشر في الجمهور بالدرجة الأولى، خاصة وأنني أعمل في مجال الدراما.  فمثلاً، مشهد حزين يتطلب مني التماشي مع طبيعة هذا المشهد موسيقياً، فأنا كموسيقي عليّ أن أخلق هذا البعد الثالث في الصورة كي أستطيع تلبية حاجة المشهد ليبقى مؤثراً كما يتطلب أن أقدمه من حيث الإحساس والمقدرة على التأثير، فمن هنا أقول إن معيار الموسيقى يكون بحسب مدى تأثيرها في نفسية الناس.

□ وأيها يُحفز الموسيقي أكثر: الجمال، المأساة، الألم، الصفاء، أم كل ذلك مجتمعاً؟       
■ كل الحالات النفسية التي ذكرتها تؤثر في النتاج الموسيقي، وكلها تحفزه من نواحٍ متعددة نفسياً ودرامياً واجتماعياً، فهي فصول ضمن هذا العالم الموسيقي وضمن فلسفة معينة، وهذه الفلسفة تستقى من الحالات النفسية؛ الجمال، والصفاء، والمأساة، والألم.  ويقولون إن "الوحي نزل عليه"، فأنتج أغنية مثلاً، وهذا مصطلح دارج لجملة من الحالات النفسية التي عاشها هذا المؤلف الموسيقي أو ذاك؛ الفرح أو الألم أو الحزن، أو ما شابه، أو تأثراً بمشاهدات معينة، أو بخبر ما، فأعطى انطباعاً للمؤلف الموسيقي كي يدخل هذه العوالم.

□ هل من علاقة بين الموسيقى والأيديولوجيا؟ وهل توجد موسيقى منتمية؟ 
■ الموسيقى نوعان: مؤدلجة وغير مؤدلجة؛ وحتى غير المؤدلجة هي ذات طابع انتمائي حتماً؛ أليست الكتابة للناس أيديولوجيا؟  ألا نُطلق على من يكتب ويؤلف للوطن صفة الوطنية؟  أما الأيديولوجية – وهنا تدخل ضمن باب التحزب- كونها تأتي ضمن باب السياسية لفئة ما معينة. في حين أن الوطنية أكثر شمولاً وسعة. في كل الأحوال، لا بد من انتماء، فمثلاً المؤلف الموسيقي الروسي رحمانينوف الذي هاجر من روسيا إلى أمريكيا بعد ثورة 1917 وبقي لفترة طويلة معذباً بسبب بعده عن وطنه، ضمت ألحانه جملة هائلة من العواطف تجاه وطنه؛ فهذا انتماء، وهذه أيضاً أيديولوجيا ذات فكر أعمق.  في النهاية تذهب أدلجة الفن باتجاهات حادة ولا تنبع من العمق.

□ تتباين وجهات النظر حيال الموسيقى؛ فالبعض يراها ترفاً، في حين أن المشتغلين فيها يعدونها حاجة ملحة وغذاء للروح، وربما ما بين هذا وذاك ثمة مساحة وسطى (على الأقل)، ترى ما أهمية الموسيقى؟ وأين تكمن هذه الأهمية؟
■ هو ليس انحيازاً للفن والموسيقى، نحن نقول أحياناً، إن الموسيقى غذاء الروح وهو مصطلح دارج اجتماعياً، لكن في حقيقة الأمر أن الناس لا يستطيعون العيش دون نغم ودون موسيقى؛ البالية فن، والفن التشكيلي فن، والرواية والمسرح كلها فنون، ويأتي في المقدمة الفن الموسيقي ويكاد يكون الأول في تنمية الثقافة والأحاسيس، وحتى فيزيولوجياً في داخل جسم الإنسان، لكن الموسيقى وحدها من بين كل الفنون تستطيع تهذيب الإنسان منذ صغره، وهنا مكمن ضرورتها وأهميتها في حياة البشرية.

□ وكيف ينعكس هذا التأثير في الواقع؟ 
■ استطاعت الموسيقى بطبيعتها ومنذ القدم تقسيم التأثير وموازنته؛ فهناك الموسيقى الرومانتيكية، والموسيقى الانطباعية، وموسيقى الحداثة، والموسيقى التعبيرية ...  خذ مثلاً في بلداننا العربية هناك من يستمع لفيروز صباحاً، وهناك بلدان ومجتمعات أخرى يستمعون لموسيقى صباحية أخرى مختلفة، وتجد آخرين يستمعون لأم كلثوم في الليل، وهذا المثل لا ينطبق على الموسيقيين فقط، بل على الكثير من الناس على اختلاف توجهاتهم واهتماماتهم. أضف إلى ذلك، أن لدى هذا الجيل مثلاً نمطية مختلفة عن الجيل الأكبر سناً، فهو لديه نوع أغانٍ وموسيقى معينة، وكذلك النوعية الموسيقية المُقدمة، التي يلعب الإعلام دوراً في رواجها، إضافة لمعايير أخرى ومنها معايير تجارية.

□ يُقال إن "الموسيقى العراقية" هي أساس الموسيقى في العالم، ما رأيك بهذا القول؟ وما مدى صحته؟
■ لا يمكن القول إن الموسيقى العراقية هي أساس الموسيقى في العالم فهذا مصطلح خاطئ، لكن البعض يتعامل مع مورثه نوعاً ما بحالة "شوفينية".  بالنسبة لي، كل الأماكن تُكمل بعضها بعضا في هذا الشرق؛ تركيا، وإيران، والعراق، وسوريا، ومصر إن من ناحية المقامات والأداء وإن من ناحية الآلات الموسيقية. والشيء الأجمل أن تجد منطقة اسمها (الخليج) وهي المنطقة الممتدة من البصرة في العراق إلى عُمان، وصولاً إلى اليمن والسعودية، تتضمن ألواناً موسيقية بديعة ومتنوعة، وهي ألوان جميلة جداً، بحرية وصحراوية.

□ كيف تستلهم موسيقاك؟ وهل يأتي الإلهام مصادفة ودون تخطيط، أم ماذا؟      
■ أنا كشخص أكاديمي لديّ الحالتان؛ فأنا أكتب موسيقى عندما أدرس إيقاعاً جديداً أو أدرس مادة معينة وأبحث في الألحان أو في توزيعات موسيقية جديدة.  لكن في بعض الأحيان يأتيني الإلهام فجأة. لكن هذا الإلهام لا يأتي في كل وقت ومتى أرغب، فهو يحتاج إلى حالة من الاستقرار والصفاء. وهذا ما نفتقده في غالبية بلداننا العربية خلال العقد الأخير، وذلك بسبب الاضطرابات والظروف التي نمر بها؛ إذ أشعر أحيانا بأنني أصبحت عنيفاً في الألحان الموسيقية، ربما بسبب المشاهد التي أراها وتؤثر في نفسيتي وعقلي.

□ ما هي العلاقة بين الموسيقى التصويرية والبيئة في الأعمال الدرامية؟   
■ البيئة في الموسيقى التصويرية مهمة جداً، على سبيل المثال في لقطة سينمائية عندما تسمع صوت الأذان، تعلم على الفور أنك في المنطقة العربية ولست في أوروبا. فالمادة التي نقدمها في الموسيقى التصويرية دائماً ندرس بُعدها السمعي الحقيقي، ومدى تأثيرها في الصورة، وما هي البيئة التي انبثقت منها هذه المادة.

□ أين تكمن أهمية الموسيقى التصويرية؟
■ الموسيقى التصويرية كانت وما زالت العنصر الأساسي في الدراما، وهي أساس لا يمكن تجاوزه، لكن هذا في الغرب، أما في عالمنا العربي فللأسف ما زالت تعتبر من الكماليات؛ إذ ليس لدى كل المخرجين هذا الإحساس، فالمادة الموسيقية مثلها مثل النجم، وهناك مخرجون همهم الأساسي الموسيقى التصويرية من بداية العمل حتى نهايته، خذ مثلاً تجربتي مع شوقي الماجري ومع المرحوم حاتم علي في أكثر من عمل. وأنا كمؤلف موسيقي أحرص على قراءة النص مثلما يقوم بطل المسلسل بقراءته حلقة حلقة ولحظة لحظة.

□ في الدول المتقدمة تحظى الموسيقى بأهمية ومكانة كبيرة، لماذا لا تحظى بالمكانة نفسها لدينا في الشرق، والعالم العربي بشكل محدد؟ هل لدينا «تخلف» موسيقي إن جاز التعبير؟
■ نحن في العالم العربي وفي الشرق عامة بارعون في الموسيقى الصوفية، وهذا له جذوره في وعينا وثقافتنا. لكن في المجمل لا يوجد لدينا اهتمام بالموسيقى ولا توجد مدارس موسيقية، كذلك لا يوجد اهتمام بتدريس الطفل الموسيقى، والتي تعتبر جزءً من تربية الطفل الأساسية.  لدينا حصة في المدرسة اسمها حصة الموسيقى وهي غير كافية، وأكاد اقول إنها ضحلة معرفياً.

 

المصدر: القدس العربي

Rate this item
(0 votes)
مجلة الموسيقى العربية

مجلة موسيقية تصدرعن المجمع العربي للموسيقى الذي هو هيئة متخصصة من هيئات جامعة الدول العربية وجهاز ملحق بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية، يعنى بشؤون الموسيقى على مستوى العالم العربي، ويختص تحديداً، وكما جاء في النظام الأساسي للمجمع، بالعمل على تطوير التعليم الموسيقي في العالم العربي وتعميمه ونشر الثقافة الموسيقية، وجمع التراث الموسيقي العربي والحفاظ عليه، والعناية بالإنتاج الموسيقي الآلي والغنائي العربي والنهوض به.

https://www.arabmusicacademy.org

link

 

ama

اشترك في قائمتنا البريدية

Please enable the javascript to submit this form

هل يواجه الموسيقي العربي تحديات وصعوبات في الحصول على مدونات الموسيقى العربية؟
  • Votes: (0%)
  • Votes: (0%)
  • Votes: (0%)
Total Votes:
First Vote:
Last Vote:
Copyright © 2012 - ArabMusicMagazine.com, All Rights Reserved, Designed and Powered by ENANA.COM