تدريس الموسيقى بالمدرسة الحربية بباردو سنة 1840 من خلال مخطوط " غاية السّرور والمنى الجامع لدقائق رقائق الموسيقى والغناء "
إعداد: عماد حسونة من تونس
عرفت الموسيقى التونسية في القرن الثامن عشر عناية من طرف محمد الرشيد باي ثالث ملوك العائلة الحسينية الذي كان مولعا بالموسيقى والغناء الوافدين معاللّاجئين الأندلسيّين، فقام بترتيب النّوبة التّونسية على الطّريقة المستعملة حتى الآن[1] وكذلك إضافة استهلال موسيقي آلي للنوبة في ثلاثة إيقاعات متتالية " الطوق والمصدر والسلسلة" تتدرّج حركتها من البطيء إلى السّريع، كما أضاف "التوشية" كفاصل آلي يتخلل أجزاء النوبة ويتركّب من مجموعة جمل لحنية أساسها الارتجال التي تعلن عن مقام (طبع) النّوبة الّتي تليها في التّرتيب[2]. في القرن التاسع عشر تعززت عناية العائلة الحسينية بالموسيقى من خلال تأسيس المشير أحمد باي الأول (1837-1855) المدرسة الحربية بباردو سنة 1840لتقديم العلوم الحديثة للإدارة والجيش، ومن بين هذه العلوم تدريس قواعد الموسيقى العسكريّة الغربيّة[3]. فما هي المواد الموسيقية المدرسة؟ وكيف كانت تدرّس؟ وما هو البرنامج المعتمد لتدريسها؟
انتدب المشير أحمد باي مدرّسين متنوعي الاختصاص أتراكًا وفرنسيين وايطاليين لضمان التّعليم بهذه المؤسّسة وكذلك لتدوين المالوف التونسي حسب قواعد الترقيم الموسيقي الغربي، وكان من أبرز هؤلاء الأساتذة الإيطالي "Verdi" الذي وبالتنسيق مع الشيخ محمد الأصرم قام بتلحين بعض المرشات[4] (خطوات) العسكرية ( Desmarchesmilitaires) حتى تشكّلت بذلك أول تجربة للكتابة الموسيقية وظهور أول فرق موسيقية نحاسية ذات جذور إيطالية فرنسية.
"بعد الدولة الحسينية وجدت في تونس موسيقى عسكرية حقيقية، اذ تم إدماج الترقيم والتدوين، كما دعي أساتذة إيطاليون للتعليم وقد استدعى أحمد باي (1837- 1855) "فردي Verdi" الذي نسّق مع الشيخ الأصرم لتلحين خطوات عسكرية. وفي نهاية القرن التاسع عشر أسّست في تونس مجموعات موسيقية نحاسية محلية على منوال المجموعات النحاسية الفرنسية الايطالية"[5]
كان قائد الفرقة الموسيقية تركيا أحيانا وفرنسيا أحيانا أخرى، ومن شروط اختياره طبعا أن يكون قادرا على قراءة الترقيم الموسيقي في حين كان الموسيقيّون التونسيّون يجهلون ذلك آنذاك بل إنّ أقصى ما كانوا يعرفونه من الصّولفيج "Solfège" إشارة المصطلحات إلى مواقع الدّرجات على الآلات (doigtés)[6].
كان قائد الفرقة يملي الدّرجاتِ على العازفين الّذين يتوجّب عليهم التمكّن من الإيقاع أوّلا قبل عزفهم للّحن، وكانت هذه العمليّة البيداغوجيّة عبارة عن مزج بين التّقليد الشّفوي والتّقليد الكتابي[7]، وهذه الطريقة مستعملة في عديد الأوساط التي يجهل فيها قراءة النّص الموسيقي مثل مجموعات "العوّادة"[8].
"كانت مجموعة الموسيقى النحاسية عند آداء مقطوعة موسيقيّة آلية من نوع "البشرف الكبير" يذكرون بدايتها شفويّا بالقول:" سوف نعزف الآن (La-Do-La)"، فهذه الدّرجات الثّلاث تمثّل فعلا الدّرجات الثّلاث الأولى التي تبدأ بها مقطوعة "البشرف الكبير""[9].
ونستحضر في سياق البرنامج المعتمد لتدريس الموسيقى بالمدرسة الحربية المخطوطَ المحرّر سنة 1872و عنوانه "غاية السّرور والمنى الجامع لدقائق رقائق الموسيقى والغناء" وقد ألّفه أربعة ضبّاط بالمدرسة الحربية بباردو وهم: أحمد القريتلي خليل، عمّار بن أحمد الغربي، علي بن عبد الله شلبي والطاهر بالطيب غيلب[1]، يتضمّن هذا المخطوط إشارة الى أنّ المدرسة الحربية بباردو أَعدّت في القرن التّاسع عشر كتيّبا لتعليم الموسيقى يحتوي أربعة أقسام:
1. تدريس نظريّات الموسيقى الغربيّة:
1.1 عناصر التدوين الموسيقي:
يحتوي المخطوط على دروس لتعلم الأصوات الموسيقية، المحمل الموسيقي، المفاتيح الموسيقية، المدّة الزمنية للأصوات، أجزاء القطعة الموسيقية (الدليل الايقاعي)، علامات التمديد (رابط القيمة "نعت في المخطوط باسم اللارقو").
وهذه صور لبعض الدروس من المخطوط (التسميات حسب ما جاء بالمخطوط):
- العوارض الموسيقية: أشكال الديس (الرافع) والبيمول (الخافض) والناترال (المانع) والدوبل دياسس (ضعف الرافع) والدوبل بيمول (ضعف الخافظ).